مقال بجريدة " الأخبار" للناقدة فاطمة علي
عن لوحة " محطة البنزين "1940 للفنان الأمريكى إدوارد هوبر .. بعنوان نشر : " محطة بنزين مسافرى الليل " ..
إسم اللوحة : " محطة البنزين "
عام رسمها : 1940
إسم الفنان : " إدوارد هوبر "
المدرسة الفنية : " الواقعية الأمريكية "
محطة بنزين مسافرى الليل ..
فى لوحات الأمريكى إدوارد هوبر[1882-1967]نرى فراغاً كونياً ووحدة يسودان لوحاته الليلية ونستشعر الوحدة وصمتاً مطبقاً فى لوحاته النهارية..كما يستهويه رسم الإنسان وحيدا ًتماماً داخل جدران تحاصره وتزيد من إحساسه بالعزلة..أو وحيداً وسط فراغ مدينة تحاصره على إتساعها..
وهذه اللوحة أمامنا"محطة البنزين"رسمها هوبرعام 1940 حيث كانت هذه المحطات تنتشر على الطرق بين مدن الغرب الأمريكي والموتيلات وبارات خدمة مسافرى الليل..
عمق منظوراللوحة الملتف إلى اليمين يُشعرنا بالغموض..وفى مقدمتها نلتقى بالعزلة تحوط عامل المحطة فى ورديته الليلية داخل مكان موحش حتى أن الطريق غير مستو لندرة مرور السيارات فالمحطة وعاملها مُلقيان على طريق معزول كأنه مدخل لغابه وزماناً ملقيان كلاهما والطريق داخل هجمة الليل الموحشه.. اللوحة تحمل بعض تناقض بين البيئة المحيطة المقفرة وزحف المدنية الى تلك المناطق النائية بوجود المحطة كشاهد على بدء زحف المدنية..كذلك ذلك التناقض بين الظلام الآخذ فى التخييم فوق المكان والإضاءة داخل مبنى المحطة الأرضى.. لتبدو المحطة والمبنى والرجل كنقطة معلقة فى الفراغ أو كانهم النقطة الأخيرة على حافة البشرية..
إختيار"هوبر"لزمن رسم لوحته ليلاً زاد من وحشة المكان وجسد أحاسيس نفسية مقلقه تزداد مع الضوء الرمادى الذى يزيد الألوان بهتاناً..إلا من اللون الأحمر المتوهج لخزانات البنزين الذى يبدو ساذجاً فى هذا المكان بطريقة طفولية كتفاؤل متوتر لإبتسامة زائفة فى موضع نفسى موحش دون أى مردود من الألفة على ذلك الكائن الوحيد الُملقى فى العزلة..يبدو أن عامل المحطة كرس نفسه لعمله فى هذه العزلة الموحشة ربما لإحساسه انه لا يُثير إهتمام ولا فضول أحد فلجأ الى الآلة تؤنسه وتكسر بلونها الأحمر برودة عزلته وهى شريكته التائهة مثله..وربما قصد أن يجد الإنسان الوحيد فى أماكن العزلة بسكونها وهدوءها المطبق فرصة لتأمل أنفسنا وأفكارنا وأمزجتنا وشعورنا وسيولة التعامل الداخلى وأنفسنا فى عدم وجود الآخرين..
وربما قصد"هوبر"تقديم تصور لقلقه ووحدته فقد سبق وألقى شخوصه الوحيدين فى إقامه عابره داخل جدران فنادق وغرف موتيلات كأماكن تائهة فى الكون..وربما قصد ان نشعر أمام اللوحة كما لو كنا لسنا ببعيدين عنها بل جزءاً من تفاصيلها والأحساس بها وبرائحتها الفطرية المدهشة ولنسمع ولنشعر بما لا يسمعه ولا يشعر به الآخرون..
إنها تجربة فريدة تلك التى تقدمها أى لوحة لمن أراد بإخلاص الإستمتاع بالدهشة والشجن بما يُعيننا على تحمل إستمرار الحياة..
فاطمة على |