الخزف المصري المعاصر
لا شك أن رائد فن الخزف سعيد الصدر وجيل الخمسينات الى التسعينات ، هو الجيل الذي وقع عليه عبء التغير في مفهوم الخزف المصري الحديث والمعاصر ، هذا الجيل الذي غير مجالات الرؤية الخزفية، واخرج مفهوم الاناء الخزفي من رؤيته التقليدية والتي انحصرت في منفعته الى مجالات أخرى متعددة ، منها ( الخزف التعبيرى ) ومن خلال هذا الاتجاه خلق مفهوم جديد للشكل الخزفي يختلف في مضمونه وثقافته عن الشكل الكلاسيكي التقليدي المتوارث، والذي نراه اليوم في عالم الخزف هي محاولة بدون شك بناءة ومؤكدة داخل الحركة التشكيلية المصرية ، وهي ظاهرة هامة للحركة الخزفية المصرية في ايجاد شخصية جديدة لفن الخزف. ولا شك أن الخزف المصري لم يعد منعزلاً عن التيارات الفكرية والفلسفية التي ظهرت في أنماط الفن التشكيلي المختلفة، لذا حفلت الأعمال الفنية المصرية بالعديد من الاتجاهات والتي عبرت عن أفكار وجماليات الفكر المعاصر، حيث أننا لا نجد في أعمال الفنانين المصريين خزفاً تقليدياً، ولكننا نواجه فناً تعبيرياً لأشكال خزفية متنوعة تحمل في طياتها ثقافة العصر وأصالة التراث المصري القديم، لذا لم يكن غريباً أن يستلهم الفنانون المصريون من الإرث العظيم الذي خلفته الحضارة المصرية سواء (الفرعونية – القبطية – الإسلامية) مما ترك أعمالاً تتواكب مع التدفق الفكري والابتكاري في بحثهم عن جماليات جديدة للخزف المصري المعاصر .
ولا أحد ينكر تأثر الخزف المصري المعاصر ببعض الاتجاهات الفنية الأوروبية، فلا يمكننا ان نغلق أبواب المعرفة والتاثر بالفنون الاخرى في وجه الفنان، ونضع له مقاييس للانغلاق داخل ذاته فقط ، وأن نجعله يحوم حول جدرانه الحدودية الارثية فقط ، بدون نظرة عامة شاملة ، فلا خوف اليوم من التاثر، وقد يكون التأثر هو مرحلة ناضجة للتاثير بعد ذلك في مجريات الفنون الاخرى.
أن الهدف الأساسي من البحث عن روافد جديدة للفكر المعاصر، هي تقديم مدى واسع من الأعمال الخزفية المعاصرة، والتي تحمل صفة الابداع واستكشاف كيف يشعر المبدعين بالمادة التي يستخدمونها، وكيف يعملون بها وما هي المشاكل التي تواجهم، وكيفية التغلب على هذه المشاكل، وما هو الغرض الذي يسعى اليه الفنان لكي تعطيه المادة .
والحركة المصرية المعاصرة للفن الخزف تضم مجموعات كبيرة من الاعمال التي عبرت عن أفكار وجماليات الفكر العالمي المعاصر، أننا لا نجد في اعمال الفنانين المعاصريين فنا خزفيا تقليديا مرتبطا بالتراث فقط، ولكننا نواجه فنا تعبيريا لأشكال خزفية متنوعة تحمل في طياتها ثقافة العصر واصالة التراث الحضاري.
فاليوم الخزف المصري المعاصر حدث له تحول في المسار فيما يتعلق بالمفاهيم والاتجاهات التشكيلية والقيم الجمالية، فقد اعاد نبضا كاد يخبو في مجال الابداع الخزفي، وتحول فن الخزف من كونه فنا تطبيقيا فقط الى ميدان للتوهج والطموح والتنافس والتجريد، فلابد من التمرد والتغير فهذه طبيعة الفن، ولكن لابد ان يعبر فن الخزف عن طبيعته، اذا كانت خامته الاساسية الطين، فان خامة الطين المتنوعة والتي تحمل خاصية معينة يجب احترام وجودها داخل أي عمل خزفي سواء كان مزجج ام غير مزجج في درجات الحرارة المختلفة ، فلابد للطين ان يفصح عن نفسه في العمل الخزفي محملا بالقيم التشكيلية والتقنيات المتعددة، ويجب مراعاة ذلك والا تحول الخزف الى شيء اخر.
لذا جاءت الاعمال الخزفية المعاصرة تتصف بالفخامة والتى قد تكون لها دور فلسفى، فالتجربة الجمالية فى فن الخزف ورائها ابعاد مثل التشكيل والتكوين العام وتكنولوجيا الخامة، واللون، كلها ادوات الخزاف الفنية، والتى بدونها يفقد الخزف الكثير من مضامينه . فالاعمال الخزفية اصبحت ذات الوان مبهجة وصارخة ومريحة للعين تشعر المتلقى بالسعادة والتحضر الذى يتعامل به الخزاف مع نفسه ومع الخامة، فهناك الكثير من المهارات الخزفية يجب اجادتها قبل ان يتحكم الفنان الخزاف فى هذه المادة .
وعلى اى حال سواء كانت الاعمال الخزفية اوانى أو تشكيلات حرة، فهناك مبادئ اتصفت بها الاشكال ثلاثية الابعاد مثل الحركة، التكرار، التنوع، النسبة و التناسب، وهناك مدارك للتوصيل مثل اللين، الصلب، الخفيف، الثقيل، الهش، القوى، وهناك صفات تكتسب مثل المثير، الدرامى، القادر، وكل هذه المترادفات كانت واضحة فى خيال الفنان الخزاف حينما تعامل مع الطينة فى ابداعاته الفنية.
بهذه الصورة تحول فن الخزف من حدود عالم الانية الى عوالم اخرى متعددة، وارتبطت بالاتجاهات الفنية الاخرى من تصوير، نحت، عمارة، وانصهرت فى كيان فنى جديد كالبلاطات الخزفية والتشكيلات الخزفية الحرة ، فهى كلها مجالات متنوعة ناتجة من حرية الابداع والبحث عن منابع جديدة لفن الخزف، احدى اهم مكتسبات القرن العشرين والتى دفعت الخزافين الى اتباع اساليب تشكيلية تعبر عن روح عصره .
|
