عودة الى قائمة قسم الديكور 

المهندس طارق عيد يكتب: «الديكور وفخ الكذابين»
الديكور و فخ الكذابين
هل حدث من قبل و أن اشتريت دواء من حلاق؟! قبل أن تجيب اقرأ أولاً هذه السطور فربما تكون قد فعلت ولكنك لا تعلم ..
منذ فترة ظهر (جروب) مصري على (الفيسبوك) خاص بالديكور، ويقوم هذا الجروب بترشيح المتخصصين في مجالات التشطيبات و تنفيذ بعض أعمال الفنون التشكيلية و أعمال الكهرباء و الكهروميكانيك أو حتى بعض الأعمال الحرفية البسيطة، و الجروب أيضا يقوم بتقديم الإستشارات الفنية و التصميمية و حلول للعمارة الداخلية، و أصبح حالياً أشهر (جروب) يهتم بالمهنة في مصر و يتابعه حوالي نصف مليون مشترك....
ربما يبدو الأمر طبيعياً، لكن عندما بحثت عمن أسس هذا (الجروب) و كيف يتم إدارته و مدى تأثيره السلبي على سوق العمل و ما هي الأسس العلمية التي يستند عليها لتقديم الاستشارات أو الترشيحات... علمت أن من أسسته هي سيدة ليس لها علاقة بالديكور، ولم تدرس يوماً العمارة الداخلية أو التصميم الداخلي و الأثاث ولا حتى ديكور المسرح و السينما، كما أن من ترشحهم للأعضاء و متابعي (الجروب) هم أفراد أو شركات صغيرة تدفع لها مبالغ مالية نظير ترشيحهم و الإعلان عنهم في منشورات، أو من خلال لوحة شرف شهرية تعرض على هذا (الجروب) الذي يتابعه بشغف عشرات الآلاف!
حدثني احد الأصدقاء عن ضيق الحال و فشل مشروعه الأخير في تحقيق الأرباح المرجوة رغم ما أنفقه من أموال على (ديكورات) المكان، و بما أن (الديكور) أصبح عنصراً منغصاً في شكواه فأضطررت أن أسأله عمن قام بعمل التصميم لتلك الديكورات التي يتحدث عنها؟ فكانت إجابته أنه هو من صمم و نفذ مستعينا بأحد أصدقائه صاحب صالون (كوافير) رجالي، و لديه خبرة طويلة بالتشطيبات و ينسب لنفسه صفة (مهندس ديكور) على حسابه بالفيسبوك!
و بهدوء يشوبه بعض من المكر عدت لأسأله من جديد.. هل راعيت العوامل البشرية و بيئة العمل و الراحة الحرارية في تصميمك للمكان؟
نظر لي بإمتعاض .. ثم اجاب:
"بص أنا مش عارف انت تقصد ايه.. لكن احنا ركبنا تكييفات في كل الأماكن و اشترينا كراسي واسعة و مريحة من عند (......) و ركبنا ستاير..... "
قاطعته محتدا: و مادمت لا تعرف لماذا لا تسأل من يعرف؟!!
ثم استطردت موضحاً: الراحة الحرارية لا تعني كرسي مريح و جهاز تكييف هواء.. الراحة الحرارية هي الحالة التي لا يشعر معها الإنسان بالبرد أو بالحر، و لا يشعر بأى مضايقة نتيجة لخلل فى البيئة الحرارية، و الراحة الحرارية لها عناصر بيئية مثل درجة الحرارة و الرطوبة النسبية و حركة الهواء و الإشعاع ، و لها عناصر بشرية مثل نشاط العمل و طبيعته و طبيعة الملابس و الأغطية، و الراحة الحرارية لها طرق قياس، و إذا لم تتحقق الراحة الحرارية فإنها تؤثر على انتاجية الموظفين، و قد تزيد الحوادث داخل محيط العمل.
رمقني صديقي المحبط بنظرة بلهاء ثم قال: و كيف سيعرف صديقي مهندس الديكور كل هذه الأمور؟!
أجابته: لن يعرف .. لأنه ليس مهندس ديكور .. لقد استعنت بحلاق!
قد يرى البعض في نفسه موهبة تنسيق الأشياء و حسن اختيار الألوان، و بمجرد نجاحه في ترتيب منزله أو منزل صديقه و ثناء بعض المقربين و مجاملتهم له بأنه "ولا أجدع مهندس ديكور"، يقوم الليل ليخطط كيف سيغزو سوق العمل و يصبح مهندس ديكور فلان الفلاني أو فلانة الفلانية، و تبدأ الكارثة عندما يعرض خدماته للناس بمقابل مادي زهيد و هو لا يعلم أنه سيقود بلا دراسة وبلا رخصة، و بالتالي سيصطدم بأول مرور ساذج أمامه و تحدث الإصابات و الخسائر الفادحة!
هندسة الديكور و تصميم العمارة الداخلية أو تصميم الأثاث هي علوم لها دراسة و قواعد تستغرق سنوات للتعلم و التدريب العملي حتى يشرع الدارس في ممارستها كمهنة، مثلها مثل الطب و الصيدلة أوحتى هندسة الطيران و الفضاء....، ولا يمكن للخبرة أن تحل محل الدراسة، وإلا صار (حلاق الصحة) طبيباً و أنشأ عيادة للمرضى يداوي فيها من يشاء بخبرته!
ومهندس الديكور الدارس و المطلع يمكنه من خلال التصميم المتميز و الذكي أن يزيد انتاجية و ربحية مشاريع صغيرة و كبيرة، وكذلك يمكنه أن يساهم بشكل فعال في علاج العديد من مشاكل الازدحام و المشاكل النفسية، والعكس صحيح فإن شخص كاذب ومدعى هندسة الديكور و التصميم الداخلي قد يتسبب في مشكلات جمة تبدأ بحيزات مريضة و تنتهي بكوارث مثل انهيار عقارات كاملة نتيجة للجهل بالأجزاء الإنشائية التي يحظر الإقتراب منها أو التعديل فيها.

و ما يحدث في مصر هو أننا عندما نعالج الأبدان نبحث عن الطبيب الاستشاري والعيادة المرخصة و المستشفى و الصيدلية جيدة المستوى، و لكن للأسف لا نتبع نفس المبدأ عندما نختار كيف نعالج المكان الذي سنسكن فيه أو سنعمل فيه أو حتى سنتنزه فيه، و بدلا من البحث عن المتخصص المتعلم الدارس الخبير صاحب رخصة مزاولة المهنة، نلجأ لمثل هؤلاء المدعين و الذين يبحثون عن الكسب المادي السريع (السبوبة)، و الذين طوروا من ادواتهم ليتواكب مع التطور التقني السريع ليتحول الكذب من الشارع و صالونات الحلاقة إلى الكذب إلكترونيا على مواقع التواصل الإجتماعي، فدشونوا (جروبات) لها وسم جذاب (لوجو) ، و أقنعوا الناس بخبراتهم و سابقة أعمالهم بالصور المبهرة لأعمال ليست من أعمالهم و ربما تكون نفذت خارج مصر، ثم بدأوا في جذب بعض من المتخصصين محدودي الموهبة الذين ربما لا يجدون فرص عمل جيدة، فعملوا معهم في ادارة مثل تلك (الجروبات) نظير اسناد بعض الأعمال أو نسبة من بعض الأعمال!
و لمن يريد أن يتحرى الصدق ولا يريد الوقوع في فخ مهندس الديكور الكاذب (مهندس السبوبة) الذي لا علاقة له بالديكور، فيجب أولا أن نعلم أن شعبة الديكور بنقابة التشكيليين هي المظلة المهنية الرسمية التي ينضم إليها خريجو كليات الفنون الجميلة قسم الديكور (العمارة الداخلية و السينوجرافيا)، و خريجو قسم التصميم الداخلي و الأثاث كليات الفنون التطبيقية، أو ما يعادلها من شهادات جامعية معتمدة من المجلس الأعلى للجامعات، و كذلك خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الديكور، ولا يأتي هذا الإنضمام إلى بعد استيفاء المستندات المطلوبة و موافقة لجنة القيد بالنقابة و التي يشرف على اعمالها وكيل النقابة و مستشار من مجلس الدولة، ولهذا فإن كارنيه العضوية بالنقابة – شعبة الديكور- هو بمثابة برهان صادق و أكيد على كون حامله مهني متخصص، و إذا كان كارنيه العضوية يحمل صفة -استشاري- فإن ذلك يعني أن حامله قد استوفى شروط لجنة التقييم لإستحقاق درجة الاستشاري، وبالتالي فإنك أمام استشاري ديكور معتمد.
و في النهاية يمكنك أن تجيب الآن على سؤال السطر الأول " هل حدث من قبل و أن اشتريت دواء من حلاق؟! "، فإن كانت الإجابة "نعم فعلت" ، فحاول أن تتدارك الأمر لأن "الدواء فيه سم قاتل" ، و لا تساعد الكذابين في نصب شرك جديد.

طارق عيد
18/5/2020

 

 

              

 

 

 العنوان: نقابة الفنانيين التشكيليين - ساحة دار الاوبرا بالجزيرة - القاهرة

 الهاتف: 27368005 (202) الموبيل: 01098989412

 البريد: synd.arts@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة © نقابة الفنانيين التشكيليين 2020